اختبر الألوهية
كلنا أعضاء في هذه العائلة الكونية الواحدة الموحّدة... لسنا عدداً ولا سِلعاً في دولة أو طائفة أو سوق.... بل أفراد كونيّون مميّزون... نحن خليفة الله خالق الكون...
فلنتذكّر الساكن فينا، ولنكن بحضرة الحقيقة التي تشفينا وتكفينا، حاضرين للحضرة والصحوة، في استسلام كامل للواحد الواجد...
عِشْ هذه الألوهية التي فيك، فأنت كتاب الله المُبين... اجلسْ، امشِ، تكلّم، تصرّف، كما لو كنتَ إلهاً، فأنت من روح الله، وكذلك هم الآخرون.... الله ليس بعيداً في الخارج بل في داخلك أقرب إليك من حبل الوريد.. في قلبك وفؤادك ووجدانك.. أنت فيه.. وهو فيك.. إنه موجود في كل الوجود في كل شيء.. في الحجر والشجر والبشر.. في الرمل والغيم والمطر...
تأمّل هذه الأزهار والرياح والجبال، إنهم مثلك يتجلّى فيهم النور الإلهي الصافي الأزلي... نور على نور... من الله وإلى الله وفي الله... عندما تعيش هذا الإحساس وتختبره عميقاً في كل حركة من حركاتك، في كل نفَس من أنفاسك ونبضة من نبضاتك، سترى أنك أصبحت تُحبّ، تتحدّث، وتتصل مع الآخرين بشكل مختلف.... فانطلق من نفسك أولاً حتى يتغير العالم من حولك.. فهذا هو ميدانك الأول والأخير لتصبح شمعة مستنيرة تُنير لتوقظ الضمير وتُنقذ المصير....
نحنا والقمر جيران
إننا نتأثر بشكل كبير بالقمر وحالاته، بالشمس، بالنجوم، بالمجرات، ونتفاعل معها...
لأننا جميعاً موصلون بنفس البوصلة الداخلية، وفينا انطوى العالم الأكبر...
لكننا نادراً ما نلاحظ ذلك أو نشعر به...
أصغِ إلى أناشيد القمر، ولتبدأ معه كل يوم رحلة المساء...
راقبه في مسيرته الكونية بين الكواكب والنجوم، واكتب مفكرةً يومية لمدة شهرين على الأقل تبعاً لحالة القمر.. اعتباراً من الهلال الجديد، إلى البدر المنير، فالهلال من جديد...
سجّل مشاعرك وأحاسيسك طوال ذلك اليوم، وستلاحظ الانسجام والتناغم بينك وبين القمر... حيث ستتغير انفعالاتك ومشاعرك مع تغير رقصة القمر... من هلال صغير مختبئ وراء الغيمات إلى بدر باسم ينير الغابات...
باستخدام هذه المفكرة يمكنك أن تعرف مسبقاً ماذا يمكن أن يحدث لك غداً، ويمكنك التحضير له... فإذا كان الغد يحمل لك الحزن مثلاً، تستطيع الاستمتاع به... لا داعي للقتال مع حزنك، بل استخدمه فهو قابل للاستخدام والتوجيه.
لنرحب بالغد مهما حمل لنا من حزن أو فرح، من أمل أو أسى، لنرضى به، ونتعلم منه... الرضى والتسليم نهاية العلم والتعليم... ولتكن مشيئتك يا الله....
|
الآخر.. وتكون فعلاً معه؟
يمكنكم أن تعيشوا معاً لعدة سنين دون معرفة التشارك بل التعارك والحرب باسم الحب... انظر إلى العالم بكامله: الناس يعيشون مع بعضهم البعض ولا أحد يعيش لوحده: الأزواج مع الزوجات، الزوجات مع الأزواج، الأولاد مع الأهل، الأهل مع الأصدقاء... الحياة تتواجد فعلاً في اجتماع الناس والجنة بلا ناس ما بتنداس، لكن هل تعرف ما هو الاجتماع ومشاركة الآخر؟
قد تعيش مع زوجتك لمدة أربعين سنة، لكنك قد تكون لم تعش معها للحظة واحدة. حتى أثناء قيامك بالحب معها قد تفكر بأشياء أخرى وكُتب على ابن آدم الزنى.. لأنك لم تكن هنا، بل هناك في أفكارك وأحلامك فصار الحب عملاً آلياً.
سمعتُ أن جحا ذهب مرّةً لمشاهدة فيلم مع زوجته. وكانا متزوجين منذ عشرين سنة. والفيلم عاطفي أجنبي ومستورد!
بينما كانا يغادران السينما قالت الزوجة: "يا جحا... لماذا لم تُحبّني مثل هؤلاء الممثلين ولا مرّةً واحدةً في عمرك؟".
أجاب جحا: "هل أنت مجنونة؟ هل تعلمين كم دفعوا لهم للقيام بهذه الأقوال والأفعال؟"
يستمر الناس بالعيش مع بعضهم دون أي حب لأنك تحب فقط عندما تقبض، وكيف يمكنك أن تحب عندما تربط الحب بالجيب؟
هكذا تحوّل الحب إلى سلعة في السوق واختفت العلاقة الصادقة والتشارك والود والوداد... صار بضاعة تُباع وتُشترى لا شعوراً ورقصة واحتفال... لم تعد سعيداً بوجودك مع الآخر، وعلى الأكثر تستطيع تحمّل وجوده معك.
كانت زوجة جحا على سرير الموت وجحا بجانبها عندما قال الطبيب: "يا جحا، يجب أن أكون صريحاً معك... في لحظات حسّاسة كهذه من الأفضل قول الحقيقة... زوجتك لا يمكن أبداً إنقاذ حياتها لأن المرض متقدّم ولا أمل بالشفاء.. لذلك عليك أن تحضّر نفسك... اضبط أعصابك وارضى بالمكتوب وقَدر الله لأن زوجتك ستموت."
أجاب جحا: "لا تقلق يا دكتور... إذا استطعتُ أن أُعاني معها طوال ثلاثين سنة فيمكنني أن أعاني وأجاهد بضعة ساعات إضافية!".
أكثر ما تستطيع القيام به هو تحمل وجود الآخر... وعندما تفكّر بمصطلحات التحمّل والتجمّل فأنت في معاناة وتحتاج المواساة في هذه المصيبة... لذلك يقول (سارتر) أن الآخر هو جهنم، لأنك مع الآخر تعاني النار والعذاب... وتعتقد أنك مع الأحباب. شريكك يصبح شركاً وسجناً لك يربطك ويسيطر عليك... يبدأ بصنع المشاكل وتضيع منك سعادتك وحريتك... بعدها تصبح حياتك نظاماً مملاً... شيئاً عليك تحمّله. إذا كنتَ تحتمل الآخر فكيف ستعرف جمالية العيش سوية؟ حقاً لم يحدث هذا في أي مكان أو زمان.
الزواج نصف الدين غالباً لا يحدث ولا يتحقق، لأن الزواج يعني الاحتفال بالحال المشترك بين الزوجين المنسجمين... إنه ليس رخصة من الله أو رجل الدين، ولا يمكن لأي مكتب سجلات الزواج أن يُعطيك أي زواج... ولا يمكن لأي شيخ أو كنيسة أن يقدّمه لك كهدية مجانية.
الزواج هو ثورة داخلية مذهلة... أعظم تحويل في نظام وأنغام حياتك، ويمكن أن يحصل فقط عندما تحتفل بالعيش سويّة، عندما لا تشعر بالآخر أنه شخص آخر، وعندما لا تشعر بنفسك أنك "أنا" مفصولة عن الاتصال والوصال.
عندما يصبح العاشقان شخصاً واحداً لا اثنان ويتصلان بجسر من الحب، سيصبحان حقاً شخصاً واحداً متكاملاً... جسدياً سيبقيان بجسدين، لكن الساجد في جوهر كل منهما اتّحد وذاب مع الآخر وصار واحداً.
قد يكونا قطبين متقابلين في كون واحد لكنهما ليسا كونين منفصلين، لأن جسراً وصلَ بينهما وهذا الجسر يعطيك لمحات عن التشارك الحقيقي.
من أندر الأشياء في العالم أن ترى زواجاً حقيقياً... الناس يعيشون مع بعضهم لأنهم غير قادرين على العيش في وِحدة. تذكّر هذا: لأنهم غير قادرين على العيش لوحدهم... العيش في وِحدة يختلف عن العيش في وَحدة... الوِحدة مزعجة ومتعبة ومملّة وغير مربحة اقتصادياً وصعبة... لذلك يعيش الناس معاً للهرب من هذه السلبية السببية.
كان رجل في طريقه إلى الزواج وسأله أحد أصدقائه:
"يا رجل! لقد كنتَ ضد الزواج طيلة حياتك، فلماذا الآن غيّرت رأيك فجأة؟"
أجاب الرجل: "الشتاء على الأبواب ويقول الناس أنه سيكون قارص البرد، التدفئة المركزيّة غالية التكاليف وسعر البترول ارتفع في العالم والزوجة أرخص مدفأة!".
هذا هو المنطق عندك... تعيش مع شخص ما لكي ترتاح وتطمئن اقتصادياً، الحياة في وِحدة صعبة حقّاً: الزوجة مكنة متعددة المهام، حارسة البيت، الطباخة، الخادمة، الممرضة، وغيرها من الوظائف... إنها أرخص عامل في العالم، تقوم بالكثير من الأعمال دون دفع أي أجر لها... وهذا هو أكبر استغلال.
الزواج صار اسمه مؤسسة زوجية للاستغلال واختفى الاستقلال والاحتفال... لهذا لا ينتج عنه أي سعادة... لا يمكن أن تتفتح منه أي وردة... كيف يمكن لشجرة جذورها في تربة التبعية والاستغلال أن تنتج أي وردة تُبهج وتعطّر؟
ونرى بعض رجال الدين القديسين بالاسم، الذين يقولون لك أنك تعيش في بؤس ومعاناة لأنك تعيش ضمن الدنيا وضمن العائلة... ويقولون لك:
"ازهد.. اترك كل شيء!" ومنطقهم يبدو سليماً... ليس لأنهم على حق، بل لأنك أنت لم تعرف ما هي المشاركة في الحياة.
وإلا لظَهرَ هؤلاء الدعاة مخطئين جداً...
الإنسان الذي عرف المشاركة والتشارك سيكون أقوى من أي شرك لأنه عرف الجامع الواحد الأحد من خلال الآخر...
الإنسان المتزوّج الحقيقي قد عرف الرحمن وتجاوز حدود الزمان والمكان لأن الحب هو الله... أعظم باب إلى المدينة الداخلية والألوهية.
لكن الحياة المشتركة غير موجودة وتعيشون معاً دون معرفة أو علم... تعيشون بهذه الطريقة سبعين أو ثمانين سنة دون معرفة أي شيء عن الحياة.
تنجرّ من طريق إلى طريق بدون جذور... تمرّ الأيام والشهور دون تذوّق نِعَم الحياة... هذا السر لا يُعطى لك بالولادة لأن الحكمة والاختبار ونشوة الصحوة يجب أن تطلبها وتتعلّمها بنفسك... وهنا أهمية التأمل.
عليك أن تبذل المجهود في الجهاد الأكبر لكي تنمو وتسمو في عالم التأمل... أن تصل إلى درجة من النضوج... عندها فقط ستعرف ما هو...
الحياة ستفتح أبوابها لك في لحظة معيّنة من النضج... لكن أغلب الناس يعيشون ويموتون بطفوليّة وعبثية... لا يكبرون أبداً في الوعي رغم أنهم يكبرون في العمر ويقتربون من حافة القبر.
ما هو النضج؟ أن تُصبح ناضجاً جنسيّاً وجسديّاً لا يعني أنّك ناضج الآن.
اسأل علماء النفس: يقولون أن متوسط العمر الفكري للبالغين يبقى حوالي ثلاثة عشر إلى أربعة عشر عاماً مهما كبروا بالعمر.
يستمر جسدك المادي بالنمو لكن فكرك يتوقف في مرحلة قريبة من عمر الثلاثة عشر. لذلك لا تستغرب تصرّفاتك الحمقاء أحياناً وأحياناً في كل الأحيان!
الفكر الذي لم ينمو بعد، حتماً سيصنع الأخطاء في كل الأوقات.
والفكر الطفولي دائماً يرمي المسؤولية على الآخر... تشعر بالحزن فتعتقد أن الآخرين جميعهم من حولك يصنعون لك البؤس والجحيم.. "الآخر هو الجحيم".. إنني أقول أن مقولة سارتر هذه طفولية جداً ولا علاقة لها بأي حكمة أو علم... إذا كنتَ ناضجاً، يمكن للآخر أن يصبح الجنة أيضاً...
الآخر مرآة لك تعكس صورتك كما أنت... فكُن جميلاً ترى الوجود جميلاً...
عندما أقول كلمة "النضج" فإنني أقصد التكامل الداخلي وقوة نورك على نفسك.. وهذا التكامل يأتي فقط عندما تتوقف عن جعل الآخرين مسؤولين عن حالتك... عندما تتوقف عن إلقاء اللوم على الآخر لأنه صانع المشاكل والمعاناة.. عندما تدرك أنك أنت صانع مشاكلك ولا أحد غيرك.
هذه أول خطوة باتجاه النضج والنجاة: أنا المسؤول...
مهما حدث ويحدث فهذا من عملي أنا... "لترى الناسُ أعمالها"...
أنت الآن تشعر بالحزن مثلاً... هل هذا من عملك؟!!... ستشعر بارتباك كبير، لكن إذا استطعتَ البقاء مع هذا الشعور، ستقدر عاجلاً أم آجلاً على إيقاف صُنع كثير من السلبيات في حياتك... وهذا كل ما تحتويه نظرية "الكارما" أو السببية التي يستوردها الناس الآن كمعتقدات جديدة!
أنت المسؤول.... لا تقل أن المجتمع والحكومة وأهلك والاقتصاد في البلاد هي المسؤولة... لا ترمي المسؤولية على أي أحد!
أنت السائل وأنت المسؤول...
في البداية سيبدو الموضوع حملاً ثقيلاً على كتفيك، لأنك الآن ستحمل الحِمل والقرار وحرية الاختيار...
سألَ أحدهم جحا: "لماذا تبدو حزيناً جداً؟"
فأجاب جحا: "لقد تصارعت زوجتي معي، وطلبَت منّي بإصرار أن أتوقف عن القمار وشرب الخمر والتدخين ولعب الورق... وقد توقفتُ عنها كلها"....
قال الرجل: "لا بد أن زوجتك سعيدة جداً الآن".
قال جحا: "هذه هي المشكلة... إنها الآن لا تستطيع إيجاد أي شيء لتتذمر وتشتكي منه، لهذا فهي بائسة يائسة.. تبدأ بالكلام لكن دون إيجاد أي سبب للملام.... الآن لا تستطيع جعلي مسؤولاً عن أي شيء، ولم أرها في مثل هذه التعاسة من قبل!
اعتقدتُ أنه بتركي لكل هذه الأشياء سوف أُسعد زوجتي، لكنها ازدادت تعاسة وشكوى أكثر من أي يوم مضى".
إذا استمريتَ بإلقاء المسؤولية على عاتق الآخرين، وسمعوا جميعهم ما تريد وقاموا بما تطلب، سوف تنتهي بالانتحار.... في النهاية لن يبقى هناك أي مكان تلقي فيه مسؤولياتك.
لذلك من الجيد أن تقوم ببعض الأخطاء: هذا يساعد الآخرين على الفرح.
إذا كان هناك زوج مثالي حقاً، فسوف تتركه زوجته.... كيف يمكنكِ أن تسيطري على زوج مثالي كامل؟؟
لذلك حتى إذا لم ترغب، استمرّ بصُنع بعض الأخطاء لكي تستطيع زوجتك السيطرة عليك وتشعر بالسعادة!!!
عندما يوجد زوج مثالي سيحصل الطلاق بسرعة.... اجلب أي رجل كامل وسيكون كل الناس ضده، لأنك لا تستطيع أن تلومه أو تدينه، لا يمكن أن تثبت عليه أي هفوة أو زلة... وفكرنا يريد أن يتذمّر...
هذا يعطي شعوراً مريحاً لأننا عندها لن نكون مسؤولين بل متفلّتين... لكن هذا الانفلات ليس حرية بل بلية، سندفع ثمنها الكبير.
بالهروب من المسؤولية لن تهرب ولن ترتاح في الواقع، بل حملك سيزاد ويزداد... فقط أنت غير منتبه لما يحصل.
عاش الناس سبعين سنة، وعلى مدى عدة حيوات وحيوات دون معرفة ما هي الحياة.... لم يكونوا ناضجين ولم يكونوا مكتملين... لم يعرفوا أنفسهم وسرّهم الدفين... لأن حياتهم كلها كانت على هامش الحياة.
إذا التقى هامش كيانك مع هامش كيان شخص آخر يحدث اصطدام، وإذا بقيتَ مشغولاً بأن الآخر هو الخاطئ المخطئ فستبقى تعيش على الهامش.
حالما تدرك أنه: "أنا المسؤول عن حياتي وكياني مهما حدث ويحدث... أنا السبب والمسبّب وأنا أحمل كل الحِمل، ولا يكلّف الله في قلبك نفساً إلا وِسعها".... فجأةَ يتحوّل وعيك ويقفز من الهامش إلى الجوهر المركزي...
والآن ستصبح لأول مرة في تاريخك مركز العالم... وفيك انطوى العالم الأكبر.
الآن يمكن القيام بكثير من النور، لأن أي شيء لا تحبه يمكنك رميه، وأي شيء تحبه يمكنك زرعه، وأي شيء تشعر بأنه حقيقة يمكنك أن تتبعه لأنك تستفتي قلبك، وأي شيء تشعر بزيفه وتفاهته ستستغني عنه لأنك مكتفي ومنطوي في ذاتك..... متصلٌ بنورٍ أقوى من حياتك ومماتك.
|