صيدلية للروح


هل يمكن أن يكون هناك صيدلية للروح؟
نعم.. فالجسد يفنى، والعقل يفنى، والقلب يفنى كذلك ويبقى هذا الشيء الأبعد من حدود الفكر والجسد، الخالد الحي إلى الأبد..
الجوهر باقٍ في المد والجزر، في الشروق والغروب، في الأصداف والرمال، في الموت والحياة......
البذرة فيك دائماً وأبداً، ولديك الاختيار أن تبقى بذرة كما أتيت لتداس بالأقدام، أو أن تصبح شجرة وارفة الظلال...
إذا أردتَ أن تنمو فعليك أن تجتهد وتُجاهد، أن تتألم وتتأمل، أن تعود لنفسك لتتعمّق وتتمعّن فيها، لتعرف من أنت ومن تكون، وما هو دورك في هذه الحياة...
أنت خليفة الله، نوره على الأرض، على صورته ومثاله..... فلنمضِ أيها الأصدقاء، يا رفاق الطريق، ولنقرأ بروحنا صيدلية الروح لكل مجروح...

عندما نقف للحظة مع أنفسنا... سنرى أن حياتنا تفيض غماً وهمّاً، قلقاً وأرقاً، تشتتاً وتشوّهاً جسدياً.. وفكرياً... وحتى روحياً....
نعمل من الصباح إلى المساء.. ثم نلجأ إلى المهدئات والمنوّمات والمسكنات فنختنق في هذا الحضيض ونحترق....
في صيدلية الروح سنروح أبعد وأعمق... سنخترق هذا كله دون أن نحترق.... بالتأمل والتفكر والتدبّر... باكتشاف الحكمة الداخلية وتطويرها.. بالإصغاء إلى موسيقى الصمت المنسابة في أعماقنا وأرواحنا... بالعودة إلى شجرة الحياة التي تنبض في قلوبنا...
لتصبح رحلتنا سلسلة متصلة متواصلة مع محيط الوجود اللامحدود ومع كل نفس وكل حياة... لتغدو حياتناً أكثر تناغماً وتوازناً بين العمل واللعب.....بين التوتر والتحرر... بين المسؤولية والحرية....
التأمل شفاء للجسد والنفس والروح... ننتقل به من لَغو العقول إلى لغة القلوب... من صخب الخارج وضجيجه إلى صمت الداخل وسكينته... ليحل السلام بدل الدمار.... ولتسود الرحمة وتموت الرجمة...
أخيراً نصيحة صغيرة بخصوص تعاملك مع خزائن هذه الصيدلية الاستثنائية:
إن هذه التمارين هي وسيلة للمتعة واللهو... اختر ما يعجبك منها واختبره.. العب معه.. واستمتع به بصدق وإخلاص لمدة خمسة أيام وسيكون ذلك كافياً وافياً لتشعر إن كان يناسبك أم لا.... 










التشخيص

لا تبحث عن الوعي مستجدياً من باب إلى باب.. بل افتح باب قلبك وأصغِ إلى صمت الأعماق... واجنِ من موسيقاك أعذب الألحان..... فأنت العابد في هذا المعبد... وما الجسد إلا هيكل مقدس ينطوي فيه السر الأكبر.. وفيك انطوى العالم الأكبر..
لا يمكن للوعي أن يكون عدواً لهذا الجسد.. الجسد هو أرضك ووطنك.. سكنك ومسكنك.. هو الخطوة الأولى نحو درب الروح... نحن نمشي.. نأكل.. نشرب.. نتحدث بانسجام... لأننا وحدة أساسية متناغمة متداخلة متكاملة.. جسد فكر.. وروح..
إهانة الجسد ومحاربته ليست سبيلاً لنمو الوعي وسمو الروح.. بل محبته واحترامه هي السبيل والطريق.. أن تحميه وتحنو عليه.. أن تكون صديقاً صادقاً له.. ورفيقاً مخلصاً فهو هبة وأمانة من الله.. نعمة لا نقمة... هدية لا بليّة.. إنه بيتك الأول والأخير.. لتهتم به وترعاه.. وتذكر أنه في خدمتك باستمرار يوماً بعد يوم.. حتى وأنت نائم فهو يعمل من أجلك ليل نهار.. يهضم الطعام ويحوله إلى دم.. يطرح الخلايا الميتة خارجاً.. يُدخل الأكسجين المنعش.. كل ذلك وأنت غارق في نوم عميق! إنه يقوم بكل شيء من أجل خدمتك.. من أجل حياتك.. ومع هذا لم يخطر ببالك أن تشكره أبداً...
إن رجال الدين يعلموك عكس ذلك.. يعلموك أن تعذبه وتهينه ولكنك لست جسداً فحسب.. أنت الساكن بهذا السكن.. لا حاجة لأن تتقيد وتقيّد به.. لأن الحب لا يعني الربط والارتباط والامتلاك بل هو الثقة المطلقة والحرية اللامحدودة.. لهذا عامله بلطف وحنوّ ورحمة ليصبح أحسن وأفضل مما سيجعل وعيك أكبر فأكبر.... لتعود جزءً لا يتجزأ من معزوفة الكون والأكوان....
إننا بحاجة إلى نوع مختلف من العلم ومن الثقافة، بحاجة إلى العلم الذي يُغني الوجدان لا الذي يُلغي الإحساس، ليدخل كل منا إلى صمت القلب ليتذكر ذاته، وليعرف نفسه، ودوره في هذه الرحلة.. والمفتاح هو التأمل....... وعندها ستكون رحيماً بجسدك.. رؤوفاً بالآخرين...
عندما تحب جسدك وتحترمه سيبادلك الحب والاحترام .. وسيصبح طوع إرادتك.. قادراً على القيام بأي شيء ترغب به حتى لو كان مستحيلاً.... فالجسد سر عظيم غريب... علينا أن نكتشف أسراره لنعبر من خلاله إلى الحقيقة الأبدية الأزلية.... لقد قام رجال الدين بتشويه الدين وتحريفه... فزرعوا العداء بيننا وبين الجسد.. ولكن هذا العداء هو المفتاح الذي سيقودنا إلى تعلم حكمة هذا الكفن وهذا المعبد لنجد السر الإلهي الكامن فيه، وعندها سنعرف أن الله ليس بعيداً.... بل يسكن في سكينة هذا المسكن.. إنه الحي القيوم في داخلك أقرب إليك من حبل الوريد، وحالما تدرك ذلك ستحب وتحترم كل الناس، وكل الكائنات والمخلوقات.....
إن أي ثقافة لا تعلمنا محبة الجسد واحترامه، والغوص داخل أسراره لن تستطيع السمو بوعينا وإدراكنا... لجسدك عليك حق... والجسد هو الباب الاول لكل الأسرار....

 





انطلق بسرور دون أي قيود

إننا نحيط أنفسنا بدرع حديدي.. بقفص وهمي من المعتقدات والعقد المعقدة المعلبة... لكنه مجرد درع.. وهو لا يتمسك بنا، بل نحن الذين نتمسك به.. وحالما نصبح واعيين له سيذوب حالاًً.. سيموت بمجرد أن نتخلى عنه... لكنك لا تحمل هذا الدرع فحسب.. بل تجعله يثقل ويكبر باستمرار من خلال كل تلك الأفكار والأوهام والأحلام....
إخرج منه ليخرج منك.. إخرج من مقبرة التقاليد.. وحطم كل تلك الأسوار والجدران، إخرج من عالم الصقيع والجليد والحجر.. من عالم الجهل والحقد والضجر.. وافتح قلبك ليدخل نور الشمس والقمر.. ولتتفتح أزهار الفرح..
عُد كالأطفال.. فالأطفال يتمتعون بالحرية والبراءة.. بالانطلاق والتناغم.. فالجسد كله وحدة متكاملة لا وجود للحدود.. ولا وجود للسدود والقيود... الرأس والقدمان بنفس الأهمية.. ولكن التقسيم ظهر رويداً رويداً من خلال الأهل والمدرسة والمجتمعات والمجمّعات... وأصبح الرأس هو الرئيس العظيم بدل أن يكون الخادم الأمين.. وتم تقسيم الجسم لعدة أقسام، قسم مقبول من المجتمع، والقسم الآخر غير معترف به، لأنه يشكل خطراً على المجتمع ويجب إبادته وتبديده، وهذا سبب المشكلة الأساسية فأصبحت أيدينا وأرجلنا مكبلة بالسلاسل.. مثبتة بالمسامير وأصبحنا بقايا إنسان مكسور مهزوز.
لتعد إنساناً كاملاً كما خلقك الله.. أنت الخيّال لا الخيل.. توحّد مع ذاتك حتى يتوحد العالم من حولك...
انتبه أين تتواجد القيود في جسدك:
1ـ خلال سيرك أو جلوسك، وعندما لا تقوم بأي شيء، ركّز على الزفير، ازفر بعمق، وحاول إخراج كل ما تستطيع من الهواء من الفم وبمنتهى البطء... وعندما يتم إخراج كل الهواء المحتجز داخل الجسم ابدأ بالشهيق بسرعة، ثم ازفر ببطء... وهكذا سيتغير الدرع الموجود قرب الصدر...
2ـ اركض بشكل خفيف ولكن لمسافة ميل واحد لا أكثر، وتخيل أن حملاً وعبئاً ثقيلاً يزول من الساقين ويتوارى عنهما، فالأقدام تكون حبيسة مربّطة عندما تكون حريتك مقيدة بشكل كبير، عندما يطلب منك أن تفعل هذا وليس ذاك، أن تكون هذا الشخص وليس ذاك، أن تذهب إلى هنا وليس إلى هناك... عندها عليك بالجري مع التركيز على الزفير، وحالما تسترد حرية الحركة والانطلاق بساقيك ستشعر بتدفق هائل من الطاقة...
3ـ عندما تذهب للنوم ليلاً.. انزع ملابسك.. وانزع أيضاً هذا الدرع النفسي المحيط بك.. ارمِ هذا العبء.. وارمِ كل ما يقيدك ويكبلك.. إخرج من سجن العبودية ومعتقلاتها... ودّع هذا الصندوق المختوم بالشمع الأحمر.... خذ نفساً عميقاً ثم اخلد للنوم وأنت حر طليق كالأطفال... كالأشجار كالأزهار... دون أية قيود على الإطلاق....

 

تنظيف الحنجرة

إذا كنت لا تستطيع أن تعبّر عن نفسك أو عن مشاعرك وعواطفك فاعبر حاجز الخوف بشجاعة... وإلا فلن تستطيع العبور إلى الأمام، وستبقى تراوح في مكانك.
إذا كنت غير قادر على قول ما تريد قوله، ولا على فعل ما ترغب بفعله، فإن هذه الطاقة التي لا تستطيع التعبير عنها سوف تُحبس في الحنجرة، مقام النطق وباب الحق، لأن الحنجرة هي مركز التعبير...
الحنجرة ليست مركزاً لمجرد البلع... لكن معظم الناس يستخدمون الحنجرة للبلع فقط، وبذلك يستعملون نصف إمكانياتها ويبقى النصف الأهم عاطلاً عاجزاً عن العمل فيصنعون بذلك حاجزاً بينهم وبين أنفسهم، وبينهم وبين الوجود والحياة...
التعبير لا يقتصر على بني البشر فحسب، بل هو واحد في كل ذرة من ذرات الوجود، ينساب بكل بساطة ووداعة وعفوية... الزهور تنشر الشذا والأريج، والسماء تجود بالخير والمطر، والشمس ترسل الحرارة والنور، فلماذا لا تتناغم معهم بهذه الأنشودة الكونية؟
لتهجر زمن الترهيب والتحذير إلى آفاق التحليق والتعبير... فإذا أحببتَ شخصاً ما أخبره بكل ما تريد قوله، وبكل ما تشعر به، حتى وإنْ بدا الأمر سخيفاً مضحكاً، حتى وإن ظهرتَ مجنوناً أحمقاً.....
قل الأشياء التي تتولّد فيك وتشعر بها في حال لحظتها، فإذا لم يكن الآن فمتى؟ لا تحاول كبتها أو قمعها... نحن لا نملك سوى هذه اللحظة وهي نعمة وبركة من الله، هي كل الوجود... فالماضي تاريخ مضى وانطوى.. والمستقبل غيب وغريب.. لنعش هذه اللحظة بحكمة ويقظة... إذا كنت غاضباً وأردتَ الصياح والصراخ، فافعل ذلك مباشرة، وبشكل حاد عنيف... لا تسيطر على غضبك، ولا تتحكم به، لأن كبته وحبسه سيلحق بك الضرر والأذى.... لكن المجتمع يعلّمك للأسف أن تظل ميتاً هادئاً.. بارداً.. جامداً.. حتى عندما تشتعل غضباً، فيبقى هذا السم داخل جسدك... لذلك من الأفضل لك أن تصرخ وتصيح في بعض الأحيان، وتعيش كل انفعال يتولد في داخلك.. لتكسر حاجز الخوف الذي بنى جدرانه فوق قلبك ومشاعرك... وسيساعدك هذا التمرين:
اجلس على شيء صلب.. ابدأ بالتمايل والتأرجح ليُلامس أحد ردفيك الأرض مع كل تمايل.. وهكذا ستجري الطاقة ابتداءً من قاعدة العمود الفقري.. وإذا كان هناك أية مشاعر محتجزة في حنجرتك ستحتاج عندها للمزيد من التدفق في سيل الطاقة وستزداد الطاقة شيئاً فشيئاً دون أن تستطيع السيطرة عليها..... بعد انقضاء عشر دقائق ابدأ بقول الله... الله.... مع كل تمايل.. سواء لليمين.. أو لليسار...
ستشعر تدريجياً بتزايد الطاقة، وستصبح كلمة الله أعلى فأعلى، حتى تصل لمرحلة تصرخ فيها عالياً: الله.... سترتفع حرارتك وتبدأ بالتعرق، وعندها ستصرخ بطريقة مجنونة هستيرية..
مع انهيار سدود الممنوعات والمحظورات من فكرك.. ومع تحرر كل تلك الانفعالات والمشاعر السجينة الأسيرة... سيكون ذلك أمراً عجيباً غريباً، ولكن ستستمتع به، وهكذا سيعود للحنجرة دورها لتنطق بالحق والحقيقة الأزلية.. ليغدو كلامك رحمةً واستغفاراً لا رجمة واستكباراً....
يمكننا تطبيق هذا التمرين مرتين يومياً، صباحاً ومساءً، لعشرين دقيقة كل مرة.....

اضحك... تضحك لك الدنيا

الضحك هو انعكاس للحياة... وهو طاقة تأمل وشفاء، لأنه يغير تركيبك الكيميائي كله...
عندما تضحك بكل جوارحك ومن أعماق فؤادك تصبح في حالة تأملية عميقة، يختفي معها التفكير والتحليل، إذ لا يمكن لك أن تضحك وتفكر معاً، وإلا سيصبح ضحكك مشوهاً مشلولاً... أما عندما يكون ضحكك حقيقياً، ستذوب في أعماق الوجود ويذوب الوجود في أعماقك لتصبح في حالة صفاء ونقاء وتوحيد... فالحياة جميلة بسيطة جداً... إنها رقصة كونية، أغنية وسيمفونية... فابتهج بها، ارقص، غني، ارسم، استمتع بها، ليشعّ كل نفس من أنفاسك بهجةً وسروراً....
كن حاضراً فحسب وسوف يُمطرك الوجود بأزهاره وأنواره وأسراره... اضحك بصمت من كل قلبك، ودع هذا الضحك يتغلغل ليشمل جسدك كله، تناغم وتمايل معه...
يداك الآن تضحكان، قدماك، عيناك... اغرق في هذا الضحك بجنون لعشرين دقيقة... ليطهرك ويعطرك من كل الهموم والسموم لتصبح أكثر صفاء وذكاء، وأكثر إشعاعاً وإبداع....
وسواء أصبح ضحكك عالياً صاخباً، أم صامتاً خافتاً، دعه كما هو، لا تتدخل فيه...
ثم اخرج للحديقة، وتمدد على التراب، ليصبح وجهك بمواجهة الأرض.. إنها أمنا جميعاً ونحن أولادها... أمكم الأرض وعمتكم النخلة..... منها أتينا وإليها نعود... المسها بحب وحنان، تأملها بسكون وخشوع... واتحد بقلبك ووجدانك معها...
استسلم لهذا الشعور لمدة عشرين دقيقة... سيمنحك الاتصال العميق مع الأرض طاقة هائلة... شغل الموسيقى بعد ذلك وارقص، أية رقصة تريدها لعشرين دقيقة أخرى... إذا شعرتَ بالبرد، البس معطفاً وتابع الرقص... أما إذا كان الطقس عاصفاً ماطراً، يمكنك القيام بهذا التمرين داخل الغرفة...
وسترى خلال ستة إلى ثمانية أشهر تغيرات كبيرة تحدث من تلقاء نفسها... ستتخلص من كل نفايات الماضي وسخافاته، لتمتلك رؤية جديدة للعالم، ولتغدو أكثر براءة وطهارة...


رحلة الحج من العقل إلى القلب

العقل مشغول باستمرار، يحلل ويحرّم... يحسب ويحاسب.. يناقش... يجادل... آن الأوان لكي يستريح قليلاً... ارجع إلى قلبك منبع النور والعطاء... ثق به، واتصل معه، فالقلب له طريقه الخاص، طريق الحب والحق، إنه يتحدث بلغة المشاعر والإحساس، أما العقل فيتحدث بلغه الكلمات والأفكار...
الإحساس هو الحياة الحقيقية الطبيعية.. أما التفكير فهو الحياة الزائفة الكاذبة... لأن التفكير هو حول الأشياء دائماً، وليس جوهرها الحقيقي، فمثلاً يمكنك أن تفكر بالماء بقدر ما تريد، ولكن لن تروي عطشك بهذا التفكير أبداً... عليك شرب الماء والإحساس به... التفكير نشاط خادع واهم، لأنه يمنحنا إحساساً كاذباً بحدوث شيء ما، ولكن لا شيء يحدث أبداً...
الأفكار ما هي إلا سراب، دخان متصاعد يعمي البصر والبصيرة، لكن عندما يتبدد هذا الدخان ويتلاشى لن يبقى إلا النور الأبدي الأزلي..
فودّع سجن الأفكار الضيق المظلم، وحلّق في آفاق قلبك بلا حدود، بلا سدود... إلى حيث تنطوي كل السماوات والأسرار...

الحج الحقيقي هو من عالم العقل والأفكار إلى عالم القلب والإحساس، وأفضل طريقة لذلك هي التنفس من القلب:
خذ نفساً عميقاً، اشعر به وهو يتغلغل وسط الصدر وكأن الوجود والحياة، الطبيعة والألوهية كلها تنصب وتنهمر في داخلك متوحدة مع نبض القلب وحنايا الوجدان... الوجود كله قلب واحد، نَفَس ونبضٌ واحد... إنها وحدة الأكوان والمكوّن... ثم ازفر بعمق من القلب أيضاً، وكأنك تُعيد كل ما مُنح لك من محبة وكرم وعطاء من جديد، للوجود، للحياة، للرحمن...
يمكنك القيام بذلك عدة مرات خلال النهار، شرط أن تأخذ خمسة أنفاس عميقة متتالية على الأقل في كل مرة...
سيساعدنا هذا على الانتقال من الفكر إلى القلب لنصبح أكثر إحساساً وحساسية، أكثر وعياً وإدراكاً لعدة أمور لم نكن نُعيرها أي اهتمام في السابق... سنشم، نتذوق، نلمس، نرى، نسمع، بحساسية مرهفة أكثر... سيكون إحساسنا بالحياة والطبيعة والوجود بلا حدود، ليغدو للحب في قلوبنا مساحات شاسعة واسعة لا نهاية لها ولا بداية...
هذه هي حجّة السلام، حجّة الصفاء، من الخارج إلى الداخل، من عالم الحرب إلى عالم الحب، ومن الظلمات إلى النور...


حُـبّ النفْــس

إن الدنيا هي رحلة لمحبة الآخرين، أما التأمل فهو رحلة روحية داخلية يُغرم كل واحد فيها بذاته الخاصة.. هو بحث المرء عن ذاته، ومعنى وجوده.. ليعرف نفسه ويتصل بربه..
مُنتهى المعرفة أن يعرف المرء نفسه.. ومن عرف نفسه عرف ربه... نفسي ثم نفسي ثم نفسي ثم أخي... وعندها ستحب نفسك الحقيقة... وكل نفْس.. لأننا جميعاً عائلة واحدة.. ومن روح واحدة...
فإذا لم تُشعل شمعتك في البداية لن تستطيع أن تشعل شمعة الآخرين.. ولكن حب النفس غير حب الأنا، إنه حب الأنا الكونية وليس الأنانية.. هو موت الأنا وكل ويلاتها وشرورها.. والاستماتة في خالق الأكوان.. لتتحرر روحك وتحلّق في الجنان...
حبة الرمل لا تعرف الصحراء الواسعة، ولكن الصحراء تعرف حبة الرمل جيداً، وعلى حبة الرمل الصغيرة أن تجتهد وتجاهد لتعرف نفسها ودورها.. وعندها ستفنى في الصحراء..
الحب الأول هو حب المرء لنفسه، ومنه تتولد كل أنواع الحب الأخرى لترفرف راية المحبة الصافية في كل نفس.. وعندها ستحب قريبك كنفسك..
يمكن أن تختبر ذلك:
اجلس تحت إحدى الأشجار.. أحب نفسك واعشقها للمرة الأولى.. انسَ أمر العالم كله.. وعش حال الحب والهيام والغرام مع ذاتك فحسب.. وعندما تقع بحب نفسك، اشعر بتفرّدك وتميّزك.. وابتهج بوجودك.. الآن وفي هذا المكان...
إن هذه الحقيقة وهذه الصحوة ما هي إلا ومضات خاطفة من الجنة والجلوة... يمكنك أن تستمتع بها قليلاً.. دع ذلك كله يتغلغل في مساماتك ويجري في عروقك... تناغم مع هذه الموسيقى الداخلية، واذهب معها بعيداً.. ارقص.. اضحك.. أو غني إنْ أردت..
ولكن تذكر أن تبقى سيد نفسك، ومركز ذاتك، تاركاً ينبوع السعادة يتدفق من أعماقك ليغمر كل ما حولك...

نظـرة محبــة

المحبة شعلة مضيئة تطهّر القلب وتُنير طريقه... أنشودة الفرح، أنشودة الروح، لنسبح في فضائها اللامتناهي أينما نروح...
عندما تنظر إلى شخص ما، انظر إليه بعينين ممتلئتين حباً وحناناً، تفيضان وداً وعطاءً.. فالعين مرآة المؤمن...
دَع إشعاعات قلبك كلها تنبعث من خلال عينيك لتذوب في أعماق الآخر.. وعندما تمشي لتنهمر محبتك على كل ما حولك.. على الحقول والمروج.. على الأشجار والأزهار... على النجوم والأقمار.. ليتردد صداها في كل الوجود.. هذا هو العشق الأوحد المتوحد مع الواحد الأحد...
سيكون ذلك مجرّد تخيّل وتصوّر في البداية، لكنه سيغدو واقعاً حقيقياً خلال شهر واحد.. سيشعر الآخرون بأنك تمتلك الآن حضوراً أكثر دفئاً وحنان.. وبمجرد أن يكونوا بالقرب منك سيتولد داخلهم شعور عارم بالغبطة والسعادة والهناء دون أي سبب على الإطلاق… وعندما تُنتش بذرة المحبة وتتفتح زهرتها.. ستصبح مزاراً للعديد من الزوار...
لنحاول أن نكون أكثر وعياً في محبتنا... لنحرر أكبر قدر ممكن من إشعاعات المحبة الخالدة السامية.....
بين المحبة والله لا يوجد أي انقطاع أو انفصال بل وحدة واتحاد أبدي أزلي وهذا هو التوحيد في حبل الوريد...

اختبر الألوهية

كلنا أعضاء في هذه العائلة الكونية الواحدة الموحّدة... لسنا عدداً ولا سِلعاً في دولة أو طائفة أو سوق.... بل أفراد كونيّون مميّزون... نحن خليفة الله خالق الكون...
فلنتذكّر الساكن فينا، ولنكن بحضرة الحقيقة التي تشفينا وتكفينا، حاضرين للحضرة والصحوة، في استسلام كامل للواحد الواجد...
عِشْ هذه الألوهية التي فيك، فأنت كتاب الله المُبين... اجلسْ، امشِ، تكلّم، تصرّف، كما لو كنتَ إلهاً، فأنت من روح الله، وكذلك هم الآخرون.... الله ليس بعيداً في الخارج بل في داخلك أقرب إليك من حبل الوريد.. في قلبك وفؤادك ووجدانك.. أنت فيه.. وهو فيك.. إنه موجود في كل الوجود في كل شيء.. في الحجر والشجر والبشر.. في الرمل والغيم والمطر...
تأمّل هذه الأزهار والرياح والجبال، إنهم مثلك يتجلّى فيهم النور الإلهي الصافي الأزلي... نور على نور... من الله وإلى الله وفي الله... عندما تعيش هذا الإحساس وتختبره عميقاً في كل حركة من حركاتك، في كل نفَس من أنفاسك ونبضة من نبضاتك، سترى أنك أصبحت تُحبّ، تتحدّث، وتتصل مع الآخرين بشكل مختلف.... فانطلق من نفسك أولاً حتى يتغير العالم من حولك.. فهذا هو ميدانك الأول والأخير لتصبح شمعة مستنيرة تُنير لتوقظ الضمير وتُنقذ المصير.... 


نحنا والقمر جيران

إننا نتأثر بشكل كبير بالقمر وحالاته، بالشمس، بالنجوم، بالمجرات، ونتفاعل معها...
لأننا جميعاً موصلون بنفس البوصلة الداخلية، وفينا انطوى العالم الأكبر...
لكننا نادراً ما نلاحظ ذلك أو نشعر به...

أصغِ إلى أناشيد القمر، ولتبدأ معه كل يوم رحلة المساء...
راقبه في مسيرته الكونية بين الكواكب والنجوم، واكتب مفكرةً يومية لمدة شهرين على الأقل تبعاً لحالة القمر.. اعتباراً من الهلال الجديد، إلى البدر المنير، فالهلال من جديد...

سجّل مشاعرك وأحاسيسك طوال ذلك اليوم، وستلاحظ الانسجام والتناغم بينك وبين القمر... حيث ستتغير انفعالاتك ومشاعرك مع تغير رقصة القمر... من هلال صغير مختبئ وراء الغيمات إلى بدر باسم ينير الغابات...

باستخدام هذه المفكرة يمكنك أن تعرف مسبقاً ماذا يمكن أن يحدث لك غداً، ويمكنك التحضير له... فإذا كان الغد يحمل لك الحزن مثلاً، تستطيع الاستمتاع به... لا داعي للقتال مع حزنك، بل استخدمه فهو قابل للاستخدام والتوجيه.

لنرحب بالغد مهما حمل لنا من حزن أو فرح، من أمل أو أسى، لنرضى به، ونتعلم منه... الرضى والتسليم نهاية العلم والتعليم... ولتكن مشيئتك يا الله....


 الآخر.. وتكون فعلاً معه؟

 

يمكنكم أن تعيشوا معاً لعدة سنين دون معرفة التشارك بل التعارك والحرب باسم الحب... انظر إلى العالم بكامله: الناس يعيشون مع بعضهم البعض ولا أحد يعيش لوحده: الأزواج مع الزوجات، الزوجات مع الأزواج، الأولاد مع الأهل، الأهل مع الأصدقاء... الحياة تتواجد فعلاً في اجتماع الناس والجنة بلا ناس ما بتنداس، لكن هل تعرف ما هو الاجتماع ومشاركة الآخر؟

 

قد تعيش مع زوجتك لمدة أربعين سنة، لكنك قد تكون لم تعش معها للحظة واحدة. حتى أثناء قيامك بالحب معها قد تفكر بأشياء أخرى وكُتب على ابن آدم الزنى.. لأنك لم تكن هنا، بل هناك في أفكارك وأحلامك فصار الحب عملاً آلياً.

سمعتُ أن جحا ذهب مرّةً لمشاهدة فيلم مع زوجته. وكانا متزوجين منذ عشرين سنة. والفيلم عاطفي أجنبي ومستورد!

بينما كانا يغادران السينما قالت الزوجة: "يا جحا... لماذا لم تُحبّني مثل هؤلاء الممثلين ولا مرّةً واحدةً في عمرك؟".

أجاب جحا: "هل أنت مجنونة؟ هل تعلمين كم دفعوا لهم للقيام بهذه الأقوال والأفعال؟"

يستمر الناس بالعيش مع بعضهم دون أي حب لأنك تحب فقط عندما تقبض، وكيف يمكنك أن تحب عندما تربط الحب بالجيب؟

هكذا تحوّل الحب إلى سلعة في السوق واختفت العلاقة الصادقة والتشارك والود والوداد... صار بضاعة تُباع وتُشترى لا شعوراً ورقصة واحتفال... لم تعد سعيداً بوجودك مع الآخر، وعلى الأكثر تستطيع تحمّل وجوده معك.

 

كانت زوجة جحا على سرير الموت وجحا بجانبها عندما قال الطبيب: "يا جحا، يجب أن أكون صريحاً معك... في لحظات حسّاسة كهذه من الأفضل قول الحقيقة... زوجتك لا يمكن أبداً إنقاذ حياتها لأن المرض متقدّم ولا أمل بالشفاء.. لذلك عليك أن تحضّر نفسك... اضبط أعصابك وارضى بالمكتوب وقَدر الله لأن زوجتك ستموت."

أجاب جحا: "لا تقلق يا دكتور... إذا استطعتُ أن أُعاني معها طوال ثلاثين سنة فيمكنني أن أعاني وأجاهد بضعة ساعات إضافية!".

أكثر ما تستطيع القيام به هو تحمل وجود الآخر... وعندما تفكّر بمصطلحات التحمّل والتجمّل فأنت في معاناة وتحتاج المواساة في هذه المصيبة... لذلك يقول (سارتر) أن الآخر هو جهنم، لأنك مع الآخر تعاني النار والعذاب... وتعتقد أنك مع الأحباب. شريكك يصبح شركاً وسجناً لك يربطك ويسيطر عليك... يبدأ بصنع المشاكل وتضيع منك سعادتك وحريتك... بعدها تصبح حياتك نظاماً مملاً... شيئاً عليك تحمّله. إذا كنتَ تحتمل الآخر فكيف ستعرف جمالية العيش سوية؟ حقاً لم يحدث هذا في أي مكان أو زمان.

 

الزواج نصف الدين غالباً لا يحدث ولا يتحقق، لأن الزواج يعني الاحتفال بالحال المشترك بين الزوجين المنسجمين... إنه ليس رخصة من الله أو رجل الدين، ولا يمكن لأي مكتب سجلات الزواج أن يُعطيك أي زواج... ولا يمكن لأي شيخ أو كنيسة أن يقدّمه لك كهدية مجانية.

 

الزواج هو ثورة داخلية مذهلة... أعظم تحويل في نظام وأنغام حياتك، ويمكن أن يحصل فقط عندما تحتفل بالعيش سويّة، عندما لا تشعر بالآخر أنه شخص آخر، وعندما لا تشعر بنفسك أنك "أنا" مفصولة عن الاتصال والوصال.

عندما يصبح العاشقان شخصاً واحداً لا اثنان ويتصلان بجسر من الحب، سيصبحان حقاً شخصاً واحداً متكاملاً... جسدياً سيبقيان بجسدين، لكن الساجد في جوهر كل منهما اتّحد وذاب مع الآخر وصار واحداً.

قد يكونا قطبين متقابلين في كون واحد لكنهما ليسا كونين منفصلين، لأن جسراً وصلَ بينهما وهذا الجسر يعطيك لمحات عن التشارك الحقيقي.

 

من أندر الأشياء في العالم أن ترى زواجاً حقيقياً... الناس يعيشون مع بعضهم لأنهم غير قادرين على العيش في وِحدة. تذكّر هذا: لأنهم غير قادرين على العيش لوحدهم... العيش في وِحدة يختلف عن العيش في وَحدة... الوِحدة مزعجة ومتعبة ومملّة وغير مربحة اقتصادياً وصعبة... لذلك يعيش الناس معاً للهرب من هذه السلبية السببية.

كان رجل في طريقه إلى الزواج وسأله أحد أصدقائه:

"يا رجل! لقد كنتَ ضد الزواج طيلة حياتك، فلماذا الآن غيّرت رأيك فجأة؟"

أجاب الرجل: "الشتاء على الأبواب ويقول الناس أنه سيكون قارص البرد، التدفئة المركزيّة غالية التكاليف وسعر البترول ارتفع في العالم والزوجة أرخص مدفأة!".

هذا هو المنطق عندك... تعيش مع شخص ما لكي ترتاح وتطمئن اقتصادياً، الحياة في وِحدة صعبة حقّاً: الزوجة مكنة متعددة المهام، حارسة البيت، الطباخة، الخادمة، الممرضة، وغيرها من الوظائف... إنها أرخص عامل في العالم، تقوم بالكثير من الأعمال دون دفع أي أجر لها... وهذا هو أكبر استغلال.

 

الزواج صار اسمه مؤسسة زوجية للاستغلال واختفى الاستقلال والاحتفال... لهذا لا ينتج عنه أي سعادة... لا يمكن أن تتفتح منه أي وردة... كيف يمكن لشجرة جذورها في تربة التبعية والاستغلال أن تنتج أي وردة تُبهج وتعطّر؟

 

ونرى بعض رجال الدين القديسين بالاسم، الذين يقولون لك أنك تعيش في بؤس ومعاناة لأنك تعيش ضمن الدنيا وضمن العائلة... ويقولون لك:

"ازهد.. اترك كل شيء!" ومنطقهم يبدو سليماً... ليس لأنهم على حق، بل لأنك أنت لم تعرف ما هي المشاركة في الحياة.

وإلا لظَهرَ هؤلاء الدعاة مخطئين جداً...

 

الإنسان الذي عرف المشاركة والتشارك سيكون أقوى من أي شرك لأنه عرف الجامع الواحد الأحد من خلال الآخر...

الإنسان المتزوّج الحقيقي قد عرف الرحمن وتجاوز حدود الزمان والمكان لأن الحب هو الله... أعظم باب إلى المدينة الداخلية والألوهية.

لكن الحياة المشتركة غير موجودة وتعيشون معاً دون معرفة أو علم... تعيشون بهذه الطريقة سبعين أو ثمانين سنة دون معرفة أي شيء عن الحياة.

تنجرّ من طريق إلى طريق بدون جذور... تمرّ الأيام والشهور دون تذوّق نِعَم الحياة... هذا السر لا يُعطى لك بالولادة لأن الحكمة والاختبار ونشوة الصحوة يجب أن تطلبها وتتعلّمها بنفسك... وهنا أهمية التأمل.

عليك أن تبذل المجهود في الجهاد الأكبر لكي تنمو وتسمو في عالم التأمل... أن تصل إلى درجة من النضوج... عندها فقط ستعرف ما هو...

 

الحياة ستفتح أبوابها لك في لحظة معيّنة من النضج... لكن أغلب الناس يعيشون ويموتون بطفوليّة وعبثية... لا يكبرون أبداً في الوعي رغم أنهم يكبرون في العمر ويقتربون من حافة القبر.

 

ما هو النضج؟ أن تُصبح ناضجاً جنسيّاً وجسديّاً لا يعني أنّك ناضج الآن.

اسأل علماء النفس: يقولون أن متوسط العمر الفكري للبالغين يبقى حوالي ثلاثة عشر إلى أربعة عشر عاماً مهما كبروا بالعمر.

يستمر جسدك المادي بالنمو لكن فكرك يتوقف في مرحلة قريبة من عمر الثلاثة عشر. لذلك لا تستغرب تصرّفاتك الحمقاء أحياناً وأحياناً في كل الأحيان!

الفكر الذي لم ينمو بعد، حتماً سيصنع الأخطاء في كل الأوقات.

والفكر الطفولي دائماً يرمي المسؤولية على الآخر... تشعر بالحزن فتعتقد أن الآخرين جميعهم من حولك يصنعون لك البؤس والجحيم.. "الآخر هو الجحيم".. إنني أقول أن مقولة سارتر هذه طفولية جداً ولا علاقة لها بأي حكمة أو علم... إذا كنتَ ناضجاً، يمكن للآخر أن يصبح الجنة أيضاً...

الآخر مرآة لك تعكس صورتك كما أنت... فكُن جميلاً ترى الوجود جميلاً...

 

عندما أقول كلمة "النضج" فإنني أقصد التكامل الداخلي وقوة نورك على نفسك.. وهذا التكامل يأتي فقط عندما تتوقف عن جعل الآخرين مسؤولين عن حالتك... عندما تتوقف عن إلقاء اللوم على الآخر لأنه صانع المشاكل والمعاناة.. عندما تدرك أنك أنت صانع مشاكلك ولا أحد غيرك.

 

هذه أول خطوة باتجاه النضج والنجاة: أنا المسؤول...

مهما حدث ويحدث فهذا من عملي أنا... "لترى الناسُ أعمالها"...

أنت الآن تشعر بالحزن مثلاً... هل هذا من عملك؟!!... ستشعر بارتباك كبير، لكن إذا استطعتَ البقاء مع هذا الشعور، ستقدر عاجلاً أم آجلاً على إيقاف صُنع كثير من السلبيات في حياتك... وهذا كل ما تحتويه نظرية "الكارما" أو السببية التي يستوردها الناس الآن كمعتقدات جديدة!

أنت المسؤول.... لا تقل أن المجتمع والحكومة وأهلك والاقتصاد في البلاد هي المسؤولة... لا ترمي المسؤولية على أي أحد!

أنت السائل وأنت المسؤول...

في البداية سيبدو الموضوع حملاً ثقيلاً على كتفيك، لأنك الآن ستحمل الحِمل والقرار وحرية الاختيار...

 

سألَ أحدهم جحا: "لماذا تبدو حزيناً جداً؟"

فأجاب جحا: "لقد تصارعت زوجتي معي، وطلبَت منّي بإصرار أن أتوقف عن القمار وشرب الخمر والتدخين ولعب الورق... وقد توقفتُ عنها كلها"....

قال الرجل: "لا بد أن زوجتك سعيدة جداً الآن".

قال جحا: "هذه هي المشكلة... إنها الآن لا تستطيع إيجاد أي شيء لتتذمر وتشتكي منه، لهذا فهي بائسة يائسة.. تبدأ بالكلام لكن دون إيجاد أي سبب للملام.... الآن لا تستطيع جعلي مسؤولاً عن أي شيء، ولم أرها في مثل هذه التعاسة من قبل!

اعتقدتُ أنه بتركي لكل هذه الأشياء سوف أُسعد زوجتي، لكنها ازدادت تعاسة وشكوى أكثر من أي يوم مضى".

 

إذا استمريتَ بإلقاء المسؤولية على عاتق الآخرين، وسمعوا جميعهم ما تريد وقاموا بما تطلب، سوف تنتهي بالانتحار.... في النهاية لن يبقى هناك أي مكان تلقي فيه مسؤولياتك.

لذلك من الجيد أن تقوم ببعض الأخطاء: هذا يساعد الآخرين على الفرح.

إذا كان هناك زوج مثالي حقاً، فسوف تتركه زوجته.... كيف يمكنكِ أن تسيطري على زوج مثالي كامل؟؟

لذلك حتى إذا لم ترغب، استمرّ بصُنع بعض الأخطاء لكي تستطيع زوجتك السيطرة عليك وتشعر بالسعادة!!!

 

عندما يوجد زوج مثالي سيحصل الطلاق بسرعة.... اجلب أي رجل كامل وسيكون كل الناس ضده، لأنك لا تستطيع أن تلومه أو تدينه، لا يمكن أن تثبت عليه أي هفوة أو زلة... وفكرنا يريد أن يتذمّر...

هذا يعطي شعوراً مريحاً لأننا عندها لن نكون مسؤولين بل متفلّتين... لكن هذا الانفلات ليس حرية بل بلية، سندفع ثمنها الكبير.

 

بالهروب من المسؤولية لن تهرب ولن ترتاح في الواقع، بل حملك سيزاد ويزداد... فقط أنت غير منتبه لما يحصل.

عاش الناس سبعين سنة، وعلى مدى عدة حيوات وحيوات دون معرفة ما هي الحياة.... لم يكونوا ناضجين ولم يكونوا مكتملين... لم يعرفوا أنفسهم وسرّهم الدفين... لأن حياتهم كلها كانت على هامش الحياة.

إذا التقى هامش كيانك مع هامش كيان شخص آخر يحدث اصطدام، وإذا بقيتَ مشغولاً بأن الآخر هو الخاطئ المخطئ فستبقى تعيش على الهامش.

 

حالما تدرك أنه: "أنا المسؤول عن حياتي وكياني مهما حدث ويحدث... أنا السبب والمسبّب وأنا أحمل كل الحِمل، ولا يكلّف الله في قلبك نفساً إلا وِسعها".... فجأةَ يتحوّل وعيك ويقفز من الهامش إلى الجوهر المركزي...

والآن ستصبح لأول مرة في تاريخك مركز العالم... وفيك انطوى العالم الأكبر.

 

الآن يمكن القيام بكثير من النور، لأن أي شيء لا تحبه يمكنك رميه، وأي شيء تحبه يمكنك زرعه، وأي شيء تشعر بأنه حقيقة يمكنك أن تتبعه لأنك تستفتي قلبك، وأي شيء تشعر بزيفه وتفاهته ستستغني عنه لأنك مكتفي ومنطوي في ذاتك..... متصلٌ بنورٍ أقوى من حياتك ومماتك.

 

 

 

 

 
Bouton "J'aime" de Facebook
 
 
Aujourd'hui sont déjà 25 visiteurs (27 hits) soyez l bien venu
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement